منتدى تنمية الوعي الوطني الجنوبي /الضالع الاسبوع (13) الاربعاء 2مارس 2011م
نص الورقة المقدمة الى الندوة للكاتب والمفكر الجنوبي المناضل
محمد علي شا يف رئيس الدائرة السياسية
للمجلس الوطني الاعلى لتحرير الجنوب -بعنوان
التفاف أم احتواء أم إسقاط للقضية الجنوبية وللثورة الشعبية الجنوبية السلمية ؟؟
منتدى تنمية الوعي الوطني الجنوبي /الضالع-بن زيد
استهلال : صباح المجد يا دم الشهداء
صباح المجد يا دم الشهداء ، أوقد في صقيع الوطن المباح صرخة الكرامة ، يا مشعل شموع الإرادة ومذكي نار الطموح / أنت يا من حريته مبدأ وختام غرامه / قل للوفاء لا تفرط بالأمانة / إن دماء الشهداء وآلام الجرحى في أعناق أحرار الجنوب / إما قلادة مجد وإما طوق عار / فحذار حذار – يا شباب الجنوب الأحرار / حذار .. أن تبتلعوا تفاحة وهم جديدة / فاي عار – أن يتقايض نخاس بالسناء وجار / فلا تضعوا مصيركم مرة أخرى على طاولة قمار /.
إني حزين حد الثورة رقصاً على سكاكين الغباء القاتلة / غاضباً حد الأنطفاء ضحكاً في بركة شر البرية / فرفاقي في التضحية : على حين غدر باعوا ثورة الهوية / فعلامَ – منذ عقد ونيف – يا أحرار الجنوب / تموتون .. وتقدمون بسخاء العشاق الدماء السنية ؟ !!
أليس من أجل تحرير أمنا السبية ؟!!
إن دمائنا ليست للمضاربة / من يقاول بمصيرنا ويتاجر بالقضية ؟
- جريح معاق أجهش جمر الأسئلة وأضاف :
” حملت الوطن المستباح بين أضلاعي / ظلاً وعين ماء / وجعاً خبأته ورفعته ضياءاَ وسماء / فصرت وطناً لوطني .
والرفاق غادروني من طعنة في الظهر / مخلفين جثث العهود في العراء / تنزفهم عويلاً وجعجعة .. / وخطباً هرقلية بلا ملح الوفاء / تركوها بلا كفن يغطي عريهم فيها / ولا قبر يواريها / على رصيف الفرجة ملقية / لعنة متعفنة تعافها النسور / وتربأ ضمها حفر المقابر /
وها جرح الجنوب .. فاجعته .. تنز دهشتها / غصص أسئلة دامية /
" يا ذاكرة الوجع جودي بالبصيرة / كيف هرب الرجال من الحضيره / وذات انفصام ذهاني / يعودون – كالقطيع – إلى ذات الحضيرة ؟؟!! "
كم جنيناً سوف نجهض – يا شباب – قبل الظهيرة ؟
كم جيلاً من الشهداء سوف نولم دمه / كم جريحاً .. كم أسيراً .. كم طريداً .. كم ضريرا ...؟
حتى نحرر موتنا الهادف / من داء غفلتنا / من أدران ماضينا وسلطتها العنيفه / ومن أناجيل أصنام المسيرة ؟؟!!
***
" سرقت مني – يا أحرار شعبي - / زُيّفت حتى صرت لا أعرف عني / غير أني لست مني / حطب نار تلتهمني / تكاثر قطر العدوان الرخيصة حوالي / تتقافز الأسماء – على غير موعد / من داخلي .. من خارج المعنى .. كانهيار مبنى / كتهافت الحشرات على وهج الضرامِ .
فبعضي يحاصر بعضه / كلي يصارع كله / يضيق بجلده – يا ويحتاه – جلده كرجل خرج من غيبوبته الخداع الجميل / والغباء وخثر الشكا والبكاء : جرحاً يقاتل / وعلى حين انفصام غدا يأكل نفسه / يقايض بالأوهام ، ما أنبت دم الكرام .
***
ماذا يحدث – أيها المشردون من هويتكم ؟ / الناهضون من تحت انقاضه الخراب / إلام – يا شباب الجنوب - كلما أشتعلت بصخر الإرادة .. دمي / ها " أنا " هويتي و .. وطني المغرد في ضفاف الجرح / نشيد الكرامة الخالد / تطفؤها – يا حسرتاه – حرابي وسهامي / مشفوعة بوابل من الأوهام وألغام الخصام / ألؤم ساذج – يا عدن – الكليمة / أم عاشق مخصي يطوقك يعقد الانتقام ؟ /
يا وطني .. ويا وجعي وجرابي الفارغ مني / إلى متى ترعى من عشب السراب ؟ /
***
علمني يُتم الوطن : / أن لا فرق بين ذنب وناب / فلا تستتب ذنباً / كلا ولا رحمة من مخلب تُرجى / فكن أنت .. كي تجدك ../ خارج غموض المهزلة / في فاجعة الأرض الشهية / أعلى فأسمى من جنوب المقصلة /
كن " عنزة " – يا صاحبي – كي عن جدارة / تحظى بمجد حريتك المكبلة / وقل للوطن النابت في دمك : نوراً ونار / " أن يؤمنا الفراعنه – الأذناب / فما الفرق – يا شهداء – بين إفطار وصيام / بين جلوس وقيام / بين جنوبُ – كذلك وشام /
***
الاستهلال – أعلاه – غيض من فيض الوجع الإنساني في محيط الانكسار الذي زامل كل أحرار الجنوب المخلصين لقضيتهم المؤمنين بحق شعب الجنوب في إزالة اللا معقول التاريخي الذي وجد نفسه في نفقه اللا انساني ، ومنذ 17 عاماً يرزح في بطنه فاجعة إنسانية .. الخ .. الخ ، وذلك من خلال تحرير أرضه واستعادة دولته المستقلة وسيادتها على كامل ترابها الوطني ، من احتلال عسكري بدائي همجي ، لا صان عهداً ولا حقاً ، واستباح الأرض والعرض والدم وقتل النفس التي حرم الله بدم بارد .. الخ .. الخ .
نعود لنقول : إن ذلكم بعضاً من ألمنا ونار الأسئلة التي تحاصر الجنوبيين من داخلهم أكثر من خارجهم ، لماذا عجز أصحاب القضية الوطنية الجنوبية أن يوحدوا صرخة مأساتهم ؟ لماذا عجزوا عن توحيد هدفهم الكفاحي وأداته حتى غدا أحد ذرائع ومبررات الذين حالوا دون ذلك ، واسهموا في تمزيق الحركة الشعبية وتبديد جهودها في صراع مع الذات .. الخ .. الخ
عندما تخلوا عن الهدف الاستراتيجي لشعب الجنوب الذي قدم من أجله ( 350 شهيداً ) وأكثر وآلاف الجرحى وأضعاف مضاعفة من المعتقلين .. نعم .. لقد تم – بين ليلة وضحاها – التنازل عن القضية الوطنية الجنوبية ومشروع ثورتها الشعبية السابقة لثورتي تونس ومصر وليبيا وغيرها ، بالانضمام إلى مشروع سياسي آخر ، لا يمت بصلة إلى قضية شعب الجنوب كما هي قضية دولة ( شعب وجغرافيا وسيادة ) تحت الاحتلال .
إن الالتحاق غير المدروس ، بل غير المبرر لا سياسياً ولا أخلاقياً – جنوبياً طبعاً – بما هو الالتحاق المجاني بمطلب " تغيير وإسقاط النظام " !! ، إن لم نقل التقاطاً للحظة المناسبة لتسويق وتصدر المشروع السياسي المخبأ تحت معطف التحرير والاستقلال – كما سيأتي –
فهل القضية الوطنية الجنوبية ، قضية إستبداد وفساد ؟؟
وهل كفاح شعب الجنوب ، عبر مختلف الأشكال السياسية والشعبية من عام 1997م إلى أن نضجت الظروف والعوامل الذاتية لتحولها إلى ثورة شعبية سلمية منذ 2007 حتى اليوم .
هل كان من أجل تغيير النظام السياسي أم من أجل إزالة الاحتلال وإستعادة دولة الجنوب المستقلة ؟؟
( - السؤال هنا موجخ – أساساً – لجماهير الثورة الجنوبية السلمية، لذوي وأصدقاء ومحبي الشهداء ، وللجرحى الناجين من الإعاقة والمعاقين جراء الإصابات ، وللمعتقلين والمطاردين .. ثم للذين لبسوا ثوب الاستقلال واستعادة الدولة – في الحركة الشعبية – ومارسوا الإلغاء والإقصاء للآخر – الجنوبي ، وحاولوا إحتكار ساحة النضال بشمولية مدمرة ، وعجزوا عن تقديم برنامج أو مشروع سياسي منذ 4 سنوات ، وفجأة يلتحقون بمطلب ، دون مطلب الفيدرالية الذي رفضه الشارع الجنوبي هاتفاً : " ثورتنا ثورة هوية – لا وحده ولا فدرالية " .
فوبيا سياسية أم تكتيك ؟؟
كان كاتب هذه السطور ( المداخلة المتواضعة ) أحد المنشغلين إن لم يقل يعيش حالة صراع امام الظواهر المعيقة في مسيرة الثورة الوطنية السلمية الجنوبية ومحاولة تفسيرها تفسيراً واقعياً وعقلانياً .
وقد سعى من موقعه الكفاحي في المجلس الوطني الأعلى لتحرير واستعادة دولة الجنوب المستقلة أن يقرأ ويشخص الظواهر – العوائق التي ظهرت وسط حركة الشعب السلمية ، وكشف الأسباب الجوهرية لإختلاف وتعدد مكونات الثورة الوطنية الجنوبية السلمية و .. و .. الخ ، وذلك في الوثيقتين السياسيتين التوعويتين ( مخاطر تعدد الخطاب السياسي وتعدد تعاريف القضية – كجزء أولي ، وافكار أولية في الحركة الشعبية الجنوبية ، فضلاً عن كتاباته الشخصية .. الخ .
ورغم المؤشرات والمعطيات المتوفرة الظاهرة والضمنية والمستنتجة ، ما كان يتوقع أن الفوبيا السياسية تحت يافظة – التكتيك ، ستبقى فاعلة بعد تزايد أعداد الشهداء والجرحى والمعتقلين والمطاردين و .. و .. الخ ، تلك التي كانت محل اختلاف إلى إعلان زنجبار الإشكالي 9 مايو 2009م ، حيث اتخذ الخلاف ملامح جديدة ، ليس هنا مكانها –
إذ ما كان يسَوق – كفوبيا سياسية – ظهر في الأيام القليلة الماضية منذ الالتحاق بمطلب تغيير النظام ، ومن أبرز مظاهر ما أطلقنا عليها فوبيا سياسية ، ما يلي :
1- عدم استفزاز الشعب في الشمال بإعلان هدف استعادة دولة الجنوب ، ورفعت اليوم يافظة التكتيك المتمحور في الدفع بشعب الشمال للخروج لإسقاط النظام من خلال تبني مطلبه في التغيير .
2- أن إستمرار رفع راية الجنوب وشعاراته وهدفه سيوحد سلطة صنعاء والشعب ضد الجنوب .
والسؤال هنا متى كان الشعب مع الجنوب منذ احتلاله ؟ فعلى سبيل المثال : 17 سنه من القتل والسفك والقمع والتنكيل لشعب الجنوب ولم نسمع قيادياً في المؤتمر الشعبي الحاكم استقال أو استنكر على قمع المظاهرات في الجنوب بقسوة ، ولماذا العودة إلى ما قبل أربع سنوات بعد كل التضحيات الغالية التي قدمها شعب الجنوب ، تحت راية الاستقلال .. الخ ؟
3- أن عدو الجنوب هي السلطة أو النظام وليس الشعب المظلوم هو الآخر من نظام صنعاء – هكذا هو الخطاب – ولذلك – حسب الفوبيا التكتيكية أو التكتيك الفوبوي – يمكننا تحييد شعب الشمال والدفع به للخروج لإسقاط النظام .
( إذاً لم يكن للشعب مصلحة من بقاء الغنيمة – الدولة ، الدولة الغنيمة ، ما الذي يجعله يقف إلى جانب ظالمية ضد حق شعب الجنوب في استعادة حريته واستقلاله ؟
إنها المصلحة .. فهي المحرك لدوافع ومواقف الناس أفراداً وجماعات ، وطالما الأمر كذلك فإن طُعم تكتيك اسقاط النظام كخطوة أولى للانتقال إلى استعادة شعب الجنوب لدولته ، ليس سوى اكذوبة صورتها الفوبيا كإمكان خارج حقائق التجربة التاريخية وخارج الواقع الماثل ، إذ ان الذي يقف ضدك دفاعاً عن مصلحته – وهو يعلم أنها على حسابك – اليوم ، فما الذي يمنعه من ذلك بعد أن سقطت قضيتك لصالح قضيته التي من بينها التغيير والحفاظ على الوحدة ( الاحتلال غير المعترف به عند سلطة صنعاء ومعارضتها ؟)
4- فوبيا الوحدة : الخوف المرضي من تهمة الانفصالية الزائفة .. ولعل أقرب شاهد على ذلك الإفادة غير المسبوقة التي أفاد بها المهندس حيدر العطاس عبر قناة الــ BBC مساء 24/2/2011م – قبل أسبوع – عندما دافع عن وحويته وقيادة الجنوب قائلاً بأن إعلان فك الإرتباط في 21/5/1994م كان فك الارتباط مع النظام وليس مع الوحدة – ومحدثاً الصحفي الذي يجري معه المقابلة في برنامج (( في الصميم )) – عليك أن تعود إلى نص إعلان الدولة يومذاك .. وبما أن الذين تخلوا عن قضيتنا وأهدافها والتحقوا بمطلب التغيير للنظام يلتقون مع رؤية العطاس ، أن لم يكونوا على أتفاق تام معه ، كما افاد في المقابلة ذاتها ، فإننا إزاء الحقائق التالية :
أ- أن مشروع إعلان وحدة 22 مايو 1990م المشئوم لم يفشل ، كما تقرر الوقائع قبل أن يولد ، أو كما يدعي اغلب الجنوبيون ، فقيادة الجنوب قررت فك الارتباط بالنظام فقط وفق العطاس .
ب- وبما أن الوحدة قائمة فما حدث في عام 1994م ليس إحتلالاً للجنوب ، وإنما حرباً أهلية ، ثبتت الوحدة وعمدتها بالدم كما تتحدث سلطة الاحتلال ، والتخلي عن قضيتنا اليوم إقرار عملي بذلك .
ج- وطالما إعلان 21\5/1994م عن دولة ( ج . ي . د ) هو فك إرتباط بالنظام وليس بالوحدة " الاكذوبة الكبرى " فإن الالتحاق بمطلب إسقاط النظام يترجم عملياً هذه القناعة التي حجبت طوال 4 سنوات على الجمهور القابل بالسير معصوب العيون ، مكتفياً بإفراغ شحنة حماسه .
د - أن التكتيك المزعوم ، ليس سوى تكتيك على شعب الجنوب ، وتضليله إلى أن حانت اللحظة المناسبة لا سيما من قبل الذين رفعوا هدف الاستقلال واستعادة الدولة المجازة القوى المؤمنة بالهدف وتضليل الجماهير ، واليوم يعملون بقناعاتهم غير المعلنة ( لا للنظام ) في صنعاء ، أي نعم للوحدة .
هـ - فرض الوصاية مجدداً على شعب الجنوب بالتواطؤ بين قيادات الجنوب السابقة وقيادات في الداخل الذين أسقطوا القضية الوطنية الجنوبية ويبررون فعلهم بالتكتيك لصالح مشروع تغيير النظام .. يالها من مفارقة ..!!
5- إن طعم التكتيك المرفوع اليوم الذين يراد له أن يبتلع من قبل كل الجنوبيين ،كما ابتلعوا الوهم الذي قادهم إلى كارثة غير مسبوقة في تاريخ الشعوب ، لا نظنه ممكناً ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فأن التكتيك هو عملية ديناميكية في مسار إدارة الصراع مع العدو بما يخدم ويحقق الهدف الإستراتيجي .. أما في ظل غياب الاستراتيجية وهيمنة القناعة بما تصوره حالة الخوف المرضي " الفوبيا " التي أشرنا إليها اعلاه ، فأن ذلك لا يعني غير مغالطة للذات وعندما تصطدم الاوهام بحقائق الواقع الموضوعية ، وتنفتح دائرة صفر كبيرة لتبتلع الكل ، تجري عملية البحث عن الذرائع لتبرير الذات العاجزة ، أو لغسل اليد من وحل الجريمة .
وفضلاً عما سلف ، وداخل السياق الانحساري المخطط لإغتيال صوت شعب الجنوب وقضيته الوطنية العادلة ، يندرج الحضور الفادح لــ :
1- ثقافة الصنمية أو صنمية الثقافة ، أو العقدة اليزنية – كما يقال – وتتمظهر هذه الحالة في فقدان الثقة بالذات والقبول الطوعي بالتبعية المطلقة للإفراد الذين يمنحون هالة تجعل منهم رموزاً كاريزماتية فاعلة وقادرة ومحنكة ..الخ ، من الصفات المختلفة ، ،، عجز عما تقرره سيرهم من حقائق نقيضة ، كما هو الحال بالنسبة لتجربتنا، فعلي سالم البيض هو المخلص ، والعطاس وناصر رجلي سياسة محنكين - وما يأتي منهم مشفوع بآرائهم – هو الصواب ، وما عداه خطأ مطلق .. ولذلك يتم إغتيال الذاكرة ليحيا الزعيم البطل ، بعدما كان مجرد ندب في ذاكرة الحلم وحجراً من معبد الوهم المنهار على رؤوسنا ( الوحدة قدر ومصير الشعب اليمني ) وأي قدر واي مصير ؟؟!!
وإذا كانت ثورة الجنوب الشعبية السلمية النموذج السابق لثورتي تونس ومصر الشعبيتين اللتين مثلتا مرحلة جديدة من تاريخ العرب ، هي مرحلة أو عصر الشعوب وليس عصر الأبطال ، فإن ثمة من أخرج ثورتنا من هذه الحال المتقدمة بإعادتها إلى عصر الابطال ، برغم أن الشعب هو من نهض بالثورة ، ومن خلق الوعي بالقضية إلى الخروج الشعبي غير المتوقع في ثورة شعبية عارمة على جسور التصالح والتسامح الجنوبي – الجنوبي .
2- ربط نجاح الثورة بالعامل الخارجي أكثر من العامل الداخلي ( الذاتي ) ولذلك أنجر طرف الحركة الشعبية إلى اعتماد ما يأتي من قيادات الخارج بإعتبارهم الأدرى من ناحية ، ومن أخرى هم الذين سيوقرون العامل الخارحي – للأسف – وكأننا لم نشاهد ما حققته إرادة الشعبان التونسي والمصري ، دون أي عون أجنبي ، لأن الإرادة الشعبية حددت هدفها – هناك – بوضوح غير قابل للتأويل .
3- إنسياق الشارع خلف العاطفة والخطاب الحماسي ، ليسهم في تمرير القناعة بعدم جدوى الوعي بالقضية وشروط انتصارها من خلال تبني خطاب تعبوي مضاد لدعوات الوضوح في الهدف والرؤية السياسية الموثقة والتنظيم .. خطاب كرس اللاوعي بتعميم شعار : (( نريد تحرير مش تنظير )) ، دعك من اللا معقول في (( للي شبكنا يخلصنا )) .
وها نحن نشاهد اليوم من رفعوا في وجوهنا عصا " التحرير أولاً ، يتخلون ليس عن شعارهم وإنما عن القضية بهرولتهم للالتحاق بمطلب التغيير ، بصورة متطرفة ترقى إلى تطرفهم قبل ذلك إزاء الرأي المخالف .. فهل سألوا أنفسهم كيف يكون التغيير المرتبط بإرادة الآخر ، هو الطريق إلى حق التحرير واستعادة الدولة ؟!!.
إن الانتماء إلى فكرة ما قضية ما ، تستلزم – بالضرورة – الوعي .. المعرفة بما أنتميت إليه أولاً ثم القناعة الراسخة والعمل على توفير شروط وعوامل نجاحه .. هنا وبهذا يمكن الحديث عن الثبات في المواقف ومفهوم الإيمان الفردي في الانتماءات السياسية ، وما حدث اليوم – بعد مسيرة سنوات – ممن احتكروا ساحة النضال الوطني الجنوبي من نكوص وعودة للوراء 180 درجة ، تجعل من سمة (( السياسيين الرحل )) التخلي المخجل في مأساة شعب الجنوب ، الذي يواصل رحلة الأصفار فاصماً ثقافة المقاومة للقهر والظلم والإذلال التي تمثل الوجه المشرق للعاطفة على حساب العقلانية ، لدرجة الخوف – عند الغالبية – من تصفح الذاكرة الوطنية الجماعية ، للاستفادة من دروسها وعبرها .. لينطبق علينا ، كشعب القول بأن الشعب الذي لم يستفيد من تاريخه فإنه يكرر أخطاءه جيلاً بعد جيل ..
أولسنا داخب هذا الحكم بامتياز ؟ فمن يجرب المجرب غير العقل المخرب ؟! – كما يقولون –
4- هيمنة النفسية الاجتماعية المنتمية إلى الأشكال الأولية غير المدنية ، بمعنى سيادة الروح المكابرة المعاندة التي تدفع باصحابها إلى عدم الاعتراف بالخطأ ، وهو يعلم خطر التمادي فيه عليه وعلى شريكه في القضية والمصير ، بينما الوعي السياسي المدني متحرر من المكابرة والخصومات الشخصية ، وفي سبيل ما أمر من المناظل يتنازل عن كلما يخصه .
( يتمنى كاتب المداخلة على أخواننا الذين لبسوا مشروع الخلاص الجنوبي لتضليل الجماهير وليقضوا على المشروع السياسي الجنوبي من داخله ، أن لا يحتفلوا بانتصار تكتيكهم على أهلهم وذويهم ، ألا يأخذهم زهو المنتصر ، لأنهم – في الاصل – أنتصروا لمشروع سياسي ليسوا قادته ، ثم أن هنالكم مناضلون أحرار لا اتباع ، لم ولن يساموا بدماء الشهداء الابرار والجرحى الأبطال وسيواصلون رفع راية الحرية والاستقلال والسيادة ، منطلقين من إيمانهم الراسخ بأن القضية الوطنية الجنوبية ، قضية حق لا يسقط بالتقادم ، ولا بالخداع ، ولا بكفاءة حبك المؤامرات ... ويسر الكاتب أن يعيد لذاكرتكم وللقراء ما سبق له أن نبه إليه قبل أكثر من عامين في مقابلة صحفية نشرت في صحيفة " الوطني " ومواقع الكترونية قائلاً : (( لا خطر على القضية الوطنية الجنوبية إلا من الجنوبيين )) فإلى أي مدى صدق تنبيههم اليوم ؟!.
القضية الوطنية الجنوبية :
بين مطرقة أعدائها وسندان أصحابها
أولاًَ : تمهيد
نود أن نمهد لتحريك الذاكرة ، وبايجاز شديد ، لنربط بين ما كان وصيرورته ، أي ملامسة للتذكير بين المقدمات والنتائج في رحلة التضليل حتى انكشاف المستور .
1- أن الزخم الشعبي الجنوبي قد سبق الطلائع – إن جاز لنا القول – الأمر الذي جعل من التساؤل المركزي ( ماذا نريد ؟) متأخراً ، لكنه كان ضرورة لتحدية مسار الثورة الشعبية ، فكانت الإجابة غير موحدة .. وبرز طرفان في الواجهة :
الأول : يطالب السلطة بالاعتراف بالقضية الجنوبية ( هيئات الحراك / نجاح 2008 – مايو 2009م )
الثاني : الاستقلال واستعادة دولة الجنوب ( ملتقيات التصالح والتسامح 2008م – المجلس الوطني إلى اليوم )
- وبالارتباط بالاجابتين برزت قضية المفاهيم والمصطلحات السياسية وتعريف القضية لتأخذ حقها في الاختلاف وفقاً للهدفين المعلنيين .. وإذ تبنى المجلس الوطني الأعلى هدف التحرير واستعادة الدولة 13 أكتوبر 2008م ، نهض بمهمة تحرير القضية من تعدد التعاريف وتوصيف الوضع المفروض على الجنوب .. باختصار شديد (( قضيتنا هي قضية دولة تحت الاحتلال ))
2- انسحاب حركة نجاح من حوار لجنة الـ (20) مارس – إبريل 2009م ، عندما وجدت نفسها مضطرة للقبول بهدف الاستقلال واستعادة الدولة .
3- إعلان زنجبار 9 مايو 2009م الذي أريد له أن يكون بديلا لكل القوى الجنوبية بفرض وحدة قسرية مغتصبة غير مدروسة استمرت حتى وقت انقسام تشكيلته إلى ثلاثة تيارات جميعها تتمسك بما تسميها شرعية إعلان 9 مايو وتصر على ان كل المكونات في مجلس واحد .. الخ ..الخ .
4- وجهت حملة اعلامية وسياسية منظمة لتفكيك وتدمير المجلس الوطني الأعلى واتحاد شباب الجنوب حتى تحولت المعركة إلى داخل الحركة الشعبية الجنوبية بين حملة الإلغاء والتدمير للآخر ، ودفاع المستهدف بالإلغاء والتدمير عن وجوده .
5- مطلب توحيد ولم الشمل الجنوبي ، استخدم للنيل من القوى المتمسكة بهدفها ووضوح الرؤية ، وضمان إنجاز توحيد متين قادر على الاستمرار والنهوض بوظيفته ، كمطلب حق يراد به باطل .
6- تشكل رأي لدى الشارع بأن الخلاف حول المواقع القيادية ، وأن كل طرف يحرص على موقعه القيادي ، وأن لا خلاف غير ذلك ، طالما الهدف واحد و .. و .. غير ذلك .
فهل اثبتت الأيام أن الخلاف كان ومابرح بين مشروعين سياسيين ؟
مرحلة مفصلية :
لقد كانت المفاصلة في الهدف أجلى وضوحاً في 13 يناير 2008م بنزول بيانين مختلفي الهدف إلى الفعالية ، وأن الانتقال للهدف الذي أعلنه المجلس الوطني الاعلى نهاية عام 2008م في بيان إعلان زنجبار 9 مايو 2009م ، ليس سوى ارتداد خارجي للهدف ، أفضى إلى الأزمة التي اضعفت ثورتنا ، بل أساءت إليها كثيراً ، وها نحن اليوم أمام لحظة مفصلية هي في الأصل إعادة للمفاصلة السابقة ، ولكن في أدق واخطر وأهم مرحلة من عمر ثورة شعب الجنوب .
فإذ بزغت شمس مرحلة تاريخية جديدة على منطقتنا العربية ، بما أحدثته الثورتان الشعبيتان في تونس ومصر من تبدل للخريطة السياسية العربية ، حيث توفر لقضيتنا وكفاح شعبنا أفقاً موضوعياً لكسر الحصار والتعتيم الاعلامي والسياسي الذي فرضته سلطة الاحتلال وبتجاهل أنظمة المنطقة العربية لأسباب لسنا بصددها – إذا بالفصيل المدعوم مادياً وسياسياً وإعلامياً من قبل قيادة الجنوب السابقة ومن المغتربين ، إذا به في وقت تركزت فيه الأضواء الإعلامية على قضيتنا ، ضمن التطورات الجديدة في المنطقة يلتحق بمشروع سياسي آخر هو مشروع التغيير ، ويقبل أن تلغى القضية الوطنية الجنوبية إن لم نقل يقبل باسقاطها ويعمل كملحق في مشروع اسقاط النظام ، موجهً أنصاره للالتحاق بثورة اسقاط النظام في مدينة " عدن " بزعم التكتيك ، كما سلفت الإشارة .
أما كان حري بحملة مشروع المعارضة السياسية لسلطة صنعاء أن يمتلكوا الشجاعة قبل هذا التاريخ ، فيعلنون مشروعهم ؟ .. سؤال صار يتردد اليوم في الشارع ، لكن الأمر ليس بتلك البساطة ، إذ كان لابد من إحداث حالة إرباك وفوضى وخلق أزمات حتى يصل الناس إلى حالة الإحباط واليأس والتحرك وفق سيناريو مرسوم ، ظهرت مؤشراته بقوة في أكتوبر 2009م لولا فشله يومئذ ، وكانت القراءات تذهب إلى سيناريو يفرض الحل الفيدرالي ، وهي قراءة متفائلة إذا ما قورنت بخدعة الانضمام إلى مشروع التغيير للنظام .
أيها الاخوة : أن قضيتنا والحفاظ على منجزات ثورتنا ، والوفاء لشهدائنا وجرحانا ، أن كل ذلك اليوم في المحك .. أن الخطر المحدق بها جاء من قوى جنوبية ، وهو الأخطر من فعل أعدائها ، فإن يعمل أعداء القضية على ضربها فأمر بديهي ، أما أن يأتي الخطر من أصحابها فذلك أمر مفارق وغير أخلاقي عندما يكون ممن مارسوا الديماجوجيا والخداع للجماهير ، وعاهدوها على السير في طريق الاستقلال ، وعلى حين غدر يقودونها إلى ما يسقط قضيتها ويقضي على تطلعاتها ، بزعم يزور إرادتها .
عموماً .. ماذا يعني التخلي عن هدف الثورة الشعبية الجنوبية التحررية والالتحاق بمطلب إسقاط النظام في صنعاء ؟
يمكننا تلخيص هذا النكوص القاتل في الحقائق السياسية التالية :
1- أن الزج بشباب ومناضلي الجنوب للالتحاق بمطلب اسقاط النظام في صنعاء يعني عقلاً ومنطقاً :
أ- إسقاط القضية الوطنية الجنوبية ومنجزات الثورة الشعبية الجنوبية وتضحياتها
ب- الاعتراف بأن الجنوب – الدولة – ينتمي إلى جمهورية (7/7) سياسياً وجغرافياً وسكانياً ، أي إسقاط هوية الجنوب المستقلة .
ج- القبول بوضع الاحتلال وتشريعه وبالنتيجة ، الإقرار الجنوبي – من وجهة نظر سياسية – بوحدة قائمة ، ترجمة لإفادة العطاس عن فك الارتباط بالنظام وليس بالوحدة في مايو 1994م .
د- إن الالتحاق بمشروع إسقاط النظام ، يسقط الحركة الشعبية الجنوبية ( الحراك ) لأنه تخلى عن وظيفته كحامل للقضية الوطنية الجنوبية ، أي أن الحركة الشعبية الجنوبية ( الحراك ) ألغى نفسه بنفسه وارتباط بذلك سقطت القضية والثورة الجنوبية .
هـ - إهدار مجاني للأرواح والدماء الزكية التي قدمها شعب الجنوب على درب تطلعاته إلى الخلاص من فاجعته الإنسانية المتعاظمة تحت احتلال بدائي همجي سبئي الثقافة والسلوك ، دونما ضمان لإعفاء الشهداء والجرحى من التجريم القانوني .
2- إن مطلب إسقاط النظام أو تغييره ، بالنسبة لشعب الجنوب هو عودة بلا ثمن إلى شرك 22 مايو 1990م وإذ كان يؤكد رفضه لاختزال حقه في الحرية والاستقلال بحل فيدرالي أو سواه ، فأن الزج به في شرك التكتيك الذهاني هذا لن يحظى بشيء يخصه ، لأن المطلب دون مطلب إزالة آثار الحرب وإصلاح مسار الوحدة ، ناهيك عن الفيدرالية .
3- أن الزعم المضلل للعامة في الجنوب بأن الالتحاق بمشروع سياسي لا يمت بصلة لقضيتهم ، هو مجرد تكتيك لإسقاط النظام ثم الانتقال لتحرير واستعادة دولة الجنوب ، يضع كل من يعقل أمام أسئلة بديهية من قبيل :
أ- من أقر هذا التكتيك نيابة عن شعب الجنوب ؟ .. ومن ذاك الذي فرض وصايته على الشعب ؟
ب- مع من أتفق الوصي غير المفوض ، على إتباع هذا التكتيك وإنجاحه ؟
ج- من يضمن سقوط النظام ، وكيف سيكون ذلك السقوط ؟ .. هل يدرك المتكتكون ذلك ؟
د- وفي حال عدم سقوط النظام ، كيف سيكون الموقف ؟
هـ - إذا تم إسقاط رأس النظام وزبانيته ، ما طبيعة التغيير المحتمل للنظام ؟ وهل سيقبل النظام الجديد بمنح الجنوب حق تقرير مصيره بين البقاء في الوحدة – مجازاً – أو العودة إلى وضعه السابق لعام 1990م .
و – هل أحزاب المعارضة + الشعب في ( ج . ع . ي ) يعترف بأن الجنوب يخضع لاحتلال عسكري همجي ؟ أم أنهما لا يعترفان بذلك ويتحدثان عن مظالم في الجنوب ، لا تختلف عن مظالم في الشمال ؟
4- أن التخلي عن القضية في هذا الوقت كان مواتياً لتقديم قضيتنا بشكل أوضح وأشمل للعالم كلحظة تاريخية نادرة ينبغي استغلالها ، فإن رفضها مرة أخرى أمر مفروغ منه يمثل تخجلي صارخ وفاضح للذهان السياسي ، إن لم نقل الغباء السياسي وهو الصحيح .
5- إن إسقاط قضيتنا ذات الخصوصية الذاتية غير المرتبطة بمطلب التغيير من قبل الجنوبيين أنفسهم يشطب – بمنطق السياسة والتاريخ – التاريخ الكفاحي الجديد لشعب الجنوب بمواجهة تاريخ الاحتلال المراد فرضه بديلاً إلغائياً لتاريخ وهوية الجنوب ، هذا من جهة ، ومن أخرى فإن كل النجاحات التي حققتها ثورة الجنوب الشعبية السلمية والتضحيات الغالية التي قدمها الشعب تسقط جميعها .
إن المفارقة التي نعيش المها هذه الأيام – كجنوبيين – هي في :
أولاً : عدم قدرة الشارع السياسي على تقييم وتفسير ما حدث من إرباك وتأزيم وتغذية للانقسامات ، بعد ما ظهر بلا قناع ، الطرف الذي تهرب من التزام موثق بهدف التحرير واستعادة الدولة طوال 4 سنوات ، والتحق بمشروع المشترك .. إذ أن هذا الانتقال إلى قضية أخرى متخلياً عن القضية الوطنية الجنوبية وأهدافها ، يفسر بلا أدنى شك ، الدور اللاوطني واللا نضالي لإرباك وإضعاف وتمزيق الحركة الشعبية الجنوبية ، ليصل إلى هذه اللحظة واحكم توقيتها باسم التكتيك .
( أكد مصداقية اللقاء المشترك في أن قيادات في ( الحراك الجنوبي ) قد أبرمت اتفاقات معه للانضمام إلى أجندته السياسية وهو أمر يقرر منطقياً أن ثمة صفقات أبرمت سراً وتفسر مصدر وأهداف خلق الازمات داخل الصف الجنوبي .
ثانياً : إن الأرواح التي تزهق والدماء التي تسفك في عدن ، إن المذابح التي تقترفها أجهزة أمن الاحتلال بحق أبنائنا تفوق جرائمها السابقة في عاصمتنا ، لا سيما مذبحة الجمعة 25/2/2011م ، هذا بعد أن بلعوا وهم الانضمام إلى مشروع تغيير النظام في يوم الجمعة الدامي وحده يسقط سبعة شهداء وعشرات الجرحى ليغدوا عدد الشهداء خلال أقل من أسبوع أكثر من 20 شهيداً وحوالي مائة جريح ، وزعوا بين مدن عاصمة الجنوب المستباحة بلا تمييز .. زد إلى سقوط 17 جريحاً في حضرموت .
بينما لم يتعدى عدد الشهداء في صنعاء وتعز ( 4 شهداء وعشرات الجرحى بعضهم أصيبوا بجراح من الحجارة ، أو العصي وليس الرصاص الحي )
في الوقت الذي تواجه التظاهرات في الجنوب بالرصاص الحي وبالعربات المدرعة والدبابات ، وفرض حالة طوارئ على مدينة عدن بمنع التنقل بين مدن عدن وإغلاق كليات الجامعة والمدراس ..الخ ..الخ .
وكما نعلم أن المذبحة – الجريمة ضد إنسانية يوم الجمعة ، تمت بعد إعلان رأس النظام في صنعاء بمنع استخدام القوة ضد المعتصمين ، بأقل من يوم واحد ، وهذا ما يفسر الحقيقة التي تتعامى عنها بعض أطراف الحركة الشعبية الجنوبية ( أو الحراك الجنوبي ) لا سيما تلك التي تزج بشباب الجنوب اللالتحاق بمشروع التغيير .. تعي حقيقة الازدواجية الوظيفية لسلطة صنعاء ، فهي في صنعاء سلطة استبداد وفساد ، بينما هي في " عدن " سلطة احتلال عسكري اجتثاثي .. أو فليأتينا المتخلون عن قضيتنا بتفسير يملك الحجة خارج تلك الحقيقة ، ليس منذ أسبوع وإنما منذ 17 عاماً من السياسة الممنهجة ، ليس لطمس هوية الجنوب وحسب ، بل ولمحو وجوده ، ليغدو شعباً بلا أرض ، لكن الثورة الشعبية الجنوبية قد أعادت للشعب روحه ووعيه بذاته وترسخ إيمانه وتعززت قناعته بشرعية وعدالة قضيته وبانتصارها .
وإذ فتحت المرحلة التاريخية الجديدة المتشكلة في منطقتنا العربية ، آفاقاً رحبه لثورتنا الشعبية ، إبتداء من تسليط الأضواء عليها وعلى كفاح شعبنا في سبيل حقه في الحرية والاستقلال ، يأتي – على حين غدر وخذلان – قطاع طرق التاريخ لصرف الجنوب عن قضيته وتوجيهه للعودة إلى ما رفضه وثار للخلاص من تبعاته .
( أكذوبة الوحدة ) وأسطورة وحدة الأرض والإنسان وثنائيات : الأصل / الفرع ، الوحدوي / الانفصالي ، المنتصر / المهزوم ، الفاتح / الأرض المفتوحة ..) ونقش النصر الأليم ( يوم النصر العظيم – 7/7/ الأسود .. الخ .. الخ من المظالم والجرائم )
وهاهم الجنوبيون يواجهون بوحشية وبربرية وإرهاب رسمي ، وهم يرفعون راية التغيير المرفوعة في صنعاء وفي تعز .. وأنهم في كل الاحوال يموتون .. وحتى وهم يخرجون ضد مصلحتهم سلمياً ،يموتون بالرصاص الحي .. يقتلون عمداً ، بل مع سبق الإصرار والترصد .
لقد تخلوا عن رايتهم التي قدموا من أجلها مئات الشهداء ، فذبحوا بقسوة يوم الجمعة الدامية في معظم مدن العاصمة السياسية للجنوب ( مدينة عدن ) – كما علمتم ، وفي حضرموت كذلك .
***
أن ما حدث بما هو إغتيال لروح الوعي بالذات الجنوبية المستقلة ، وخذلان اللإرادة الشعبية وتطلعاتها للخلاص من الفاجعة ، وضرب لليقين الذي بلغه شعب الجنوب عبر مرارة القهر والحرمان والآلام والضياع ..الخ ، عن استحالة التعايش مع ثقافة واخرة من كهوف سبأ .
هو المرحلة الأخيرة التي بدأت بحملات التشهير للمناضلين المخلصين السباقين في إيقاظ وتحريك الوعي بالقضية الوطنية الجنوبية ، فممارسة التضليل والكذب واتهام المخالفين بالرأي بالعمالة والخيانة .. و .. و هلم شراً ، ثم نشر فوضى الانسياق واحراق المراحل وخلق كل أسباب تأزيم العلاقات بين مكونات واستنفار الكل بخطاب استكباري احتكاري شمولي إلغائئ للآخر ، فضلاً عن احتكار ساحة النضال الوطني الجنوبي ، وانكار وتغييب دور الآخرين قوى وأفراداً .. حتى غدا الكثيرون من المخلصين لحريتهم الصادقين في توجهاتهم ، يشعرون بأن شعب الجنوب غير قادر على إدارة نفسه حتى ولو بلغ أهدافه .. وأن ثمة موروث مرضي مستعصي يعيق تطلعاته في الحاضر والمستقبل .
بيد ان التخلي عن القضية من قبل تلك القوى ، يجعلنا وكل المخلصين للقضية نعيد النظر فيما أعتقدناها اسباباً موضوعية ، أو عللاً موروقة ، لأن كل ذلك الارباك وكل تلك الفوضى وخلق العراقيل أمام جهود توحيد إرادة شعب الجنوب ، كانت عملية ممنهجة مدروسة استهدفت إيصال ثورة الشعب السلمية إلى طريق مسدود وبالتالي تسهيل اسقاطها والاستفادة مما صنعته في خدمة المشروع القديم – الجيد – وهو ما حصل ( الانضمام إلى مشروع التغيير للنظام ) الذي تحصد رصاص الاحتلال الارواح وتسفك الدماء في عدن – اليوم – من أجله ، وكأن الشاعر المتنبي لم يقل للطامحين الأحرار :
(( فطعم الموت في أمر حقير × كطعم الموت في أمر عظيم )) .. فلماذ يموت شباب الجنوب من أجل المجهول ، وقد كانوا يعبدون بالدم والإصرار والأمل درب حريتهم ؟
إن شعب الجنوب كان ولا زال جزء كبير منه قد حدد خياره بوضوح وفرض على المترددين أن يتبنوا هدفه ، لكن ثمة من لبس ثوب الاستقلال لخداع الجماهير ، وهاهو يزج بجزء مهم من شباب الجنوب في ممارسة تجسد الذهان السياسي ( الانفصام ) بسفور مخزي .
وهو ما يذكرنا بحالة أنفصام في الشخصية ، حدثت في أحد ملاهي عدن الجديدة ، حيث تناقل الناس قصة رجل ( جنوبي طبعاً ) دخل ملهى ليلي في ساحل جولدمور ، وعندما أوشك الملهى إغلاق أبوابه ، قام الرجل يبحث عن شيء ما في الملهى ، غادر الرواد الملهى إلا هو ، فسأله صاحب الملهى الدحباشي ، عما يبحث فلم يرد عليه حتى جاءه شرطي فسأله الشرطي عما تبحث .. رد الرجل بأنه يبحث عن مفتاح بيته ، وسأله الشرطي إن كان المفتاح قد سقط عنه في الملهى ؟ رد الرجل : أن مفتاحه سقط في رمل الساحل القريب ، سأله الشرطي غاضباً : ولماذا تبحث عنه في الملهى ؟ .. رد الرجل المنفصم : لأن الإضاءة على الساحل باهتة ، بينما الإضاءة في الملهى ساطعة .
أليس التخلي عن قضيتنا والالتحاق بقضية أخرى بحثاً عن حل لقضيتنا ، يماثل تماماً قصة الشخص المنفصم الباحث على مفتاح بيته في مكان غير مكانه ، لا لشيء إلا لسطوع الإضاءة .. وهؤلاء – قطاع طريق ثورة الجنوب الشعبية – أسقطوا القضية الجنوبية ويمنون أتباعهم بالعثور على حل لها في صنعاء .
***
ولعل أظهر صور الانفصام السياسي تتمثل ليس فقط في إسقاط القضية ، وإنما في مواصلة تملك النقاء والصواب المطلق والوطنية .. و .. و.. الخ ، فإذ كان المخالفون لهم بالرأي قبل هذا التراجع من النقيض إلى النقيض ، يصمون مخالفيهم بالعمالة للسلطة وبخيانة القضية ، فهاهم اليوم يواصلون توزيع الصكوك ذاتها بالإشتراك مع أحزاب المشترك على من يرفع علم دولة الجنوب أو يرفع شعارات ثورة الجنوب الشعبية ، فهو عميل للسلطة .. وهذه الحملة الإعلامية الموجهة تستهدف قمع أي رأي مخالف ومتمسك بحق شعب الجنوب في حريته واستقلاله وبعهد الوفاء للشهداء الأبرار .
فكما نقلت قناة سهيل عن الأمين العام لمجلس الحراك عبدالله الناخبي 28/2/2011م، الذي قال بأن الشعارات الانفصالية المرفوعة هذه الأيام مدفوعة الثمن من قبل السلطة ولتخويف الشعب في الشمال .. يالها من مفارقة !!
الخلاصـــة :
1- لا اعتراض على من يخرج في الجنوب من أحزاب المعارضة وغيرها ليرفع مطلب التغيير للنظام .. لأن التغيير هو هدف هذه الاحزاب وهذا حقها .. وليس من حق أحد أن يمنعنا من مواصلة حمل قضيتنا وأهدافها المتمثلة في النضال لتحرير واستعادة دولة الجنوب المستقلة وسيادتها على كامل ترابها .
2- أما الذين ضللوا الجماهير بتبني القضية الوطنية وأهدافها المعلنة ويتحملون مسئولية سقوط مئات الشهداء ومئات الجرحى وعذابات آلاف ، وعن قصف المدن ومطاردة الناشطين .. الخ . ، فهؤلاء مكونات وأفراد ليس لهم حق خداع الشعب وخيانة قضيته وإهدار دماء شهدائه وجرحاه ز
3- إن الدفاع عن القضية الوطنية الجنوبية وصيانة دماء الشهداء والجرحى ، يقتضي من المخلصين للقضية قوى وافراداً أتباع كل أشكال التعبير السياسية السلمية لإستئناف حضور القضية في الخطاب السياسي وفي الحضور الجماهيري في الشارع وعدم الالتفات لحملة الترهيب الإعلامية التي يشنها المشترك وحلفائه الجنوبيين ( مجلس الحراك السلمي على وجه الخصوص ) وتنوير الجماهير وتعريفها بمخاطر جريمة إسقاط قضيتها .
4- أن الدور الذي لعبه المجلس الأعلى للحراك الحراك ( مجلس قيادة الثورة – هيئات الحراك ) في الضرب للقضية الوطنية الجنوبية يؤكد مصداقية المجلس الوطني الأعلى الذي تعرض لحملة شرسه من هذا المجلس وقيادات الخارج ، وهاهو أمين عام مجلس البيض والعطاس يتهم كل من يتمسك بقضيتنا عميلاً مع السلطة ، لصوص الثورة يدينون الأوفيا لقضيتهم وشهدائهم .
انتهى!!!!!!!
2مارس2011م -الضالع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق